فصل: قال القنوجي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَذكره النَّسَائِيّ فِي كتاب الكنى فَقال أَبُو ظَبْيَة شُجَاع عَن ابْن عمر رَوَى عَنهُ السّري بن يَحْيَى. انْتَهَى. لم يقل غَيره. اهـ.

.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

سورة الواقعة:
قوله تعالى: {إِنَّهُ لقرآن كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، الآية/ 77- 79.
يدل على منع مس المصحف من غير وضوء. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة الواقعة سبع أو ست وتسعون آية.
وهي كلها مكية في قول جماعة من العلماء كالحسن وعكرمة وجابر وعطاء.
قال ابن عباس وقتادة: إلا آية منها نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} [الواقعة: 82].

.الآية الأولى:

{لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)}.
{لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)}: قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون.
و{المطهرون}: هم الملائكة. وقيل: هم الملائكة والرسل من بني آدم.
ومعنى {لا يمسه}: المسّ الحقيقي. وقيل: المعنى لا ينزل به إلا المطهرون. وقيل: المعنى لا يقرؤه. وعلى كون المراد بالكتاب المكنون هو القرآن، فقيل: لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس، كذا قال قتادة وغيره.
وقال الكلبي: المطهرون من الشرك.
وقال الربيع بن أنس: المطهرون من الذنوب والخطايا.
وقال محمد بن الفضل وغيره: معنى الآية لا يقرؤه إلا الموحدون.
وقال الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره اللّه من الشرك والنفاق.
وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف، وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وابن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي.
وروي عن ابن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة: ويجوز للمحدث مسه.
وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في (شرحه للمنتقى) فليرجع إليه. اهـ.

.قال السايس:

من سورة الواقعة:
قال اللّه تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لقرآن كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80)}.
قبل أن نتكلّم عن تفسير الآيات نقول: قد ورد القسم على هذا النحو في القرآن الكريم كثيرا، منه قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17)} [الانشقاق] و{فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ} [التكوير] و{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (1)} [القيامة] و{فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ} [الحاقة: 38] و{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ} [المعارج: 40] و{لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1].
وقد جاء على غير هذه الصورة، أي من غير (لا) النافية، ومن غير الفعل (أقسم). وقد جاء القسم على أنواع: إمّا قسم اللّه بنفسه موصوفا بالربوبية {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23] والقسم هنا على مضمون جملة خبرية {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر].
وإمّا قسم بالذّات معنونة بلفظ الجلالة: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وتارة يكون القسم بأشياء من خلقه: كـ: {الصافّات} {والطور} {والذاريات} {والنجم} و{مواقع النجوم} و{الشمس وضحاها} و{الفجر} و{البلد} و{القيامة} و{التين والزيتون}.
وتارة يكون القسم بالقرآن موسوما باسمه {يس (1) وَالقرآن الْحَكِيمِ (2)} [يس] {ص وَالقرآن ذِي الذِّكْرِ (1)} [ص] {ق وَالقرآن الْمَجِيدِ (1)} [ق] أو موسوما باسم الكتاب {حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2)} [الزخرف، والدخان].
ومهما يكن المقسم به فالمقسم عليه لا يعدو أن يكون من أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتها، فهو تارة يكون قسما على التوحيد، كقوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4)} [الصافات].
وتارة يكون قسما على أنّ القرآن حقّ، كقوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لقرآن كَرِيمٌ (77)} وقوله: {حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مباركة} [الدخان] وقوله: {حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قرآنا عَرَبِيًّا} [الزخرف] على بعض الوجوه في جواب القسم.
وتارة يكون المقسم عليه أنّ محمدا رسول {يس (1) وَالقرآن الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)} [يس].
وتارة يكون المقسم عليه نفيا لصفة ذميمة عن الرسول الأكرم {ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)} [القلم] و{وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2)} [النجم] ومن هذا قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقول رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَما هُوَ بِقول شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41)} [الحاقة].
وتارة يكون المقسم عليه الجزاء والوعد والوعيد مثل قوله تعالى: {وَالذَّارِياتِ ذَرْوًا فَالْحامِلاتِ وقرأ (2) فَالْجارِياتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْرًا (4) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5)} [الذاريات] ومنه قوله: {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)} [الذاريات] ومنه إلى قوله: {إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7)} [المرسلات: 1- 7] ومنه {وَالطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2)} إلى قوله: {إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (8)} [الطور].
هذا وقد أمر اللّه نبيّه أن يقسم على الجزاء والمعاد في ثلاثة مواضع، قال: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن] وقال تعالى: {وَقال الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] وقال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53].
وقد جاء المقسم عليه أحوالا من أحوال الإنسان التي هو عليها: {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} [الليل].
ووقع القسم على صفة الإنسان: {وَالْعادِياتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيراتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)} [العاديات].
وجاء القسم على عاقبة الإنسان: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} [التين] {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر].
قد أردنا بهذا الذي ذكرنا أن نريك فنون القسم في القرآن، سواء في المقسم به والمقسم عليه، ولولا الإطالة في غير الموضوع المقرّر لذكرنا لك شيئا من فنون القرآن الكريم في جواب القسم، وإنّه تارة يكون إنشاء، وتارة يكون خبرا، وتارة يكون مذكورا، وتارة يكون محذوفا، لكنّ ذلك يحتاج إلى الشرح والإيضاح، فيطول، ونريد أن نرجع إلى القول في الذي معنا.
{فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)}.
قد أطلعناك على أمثلة كثيرة من هذا النوع من القسم في القرآن الكريم، ويمتاز ما معنا بأنه قيل فيه صراحة {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)} فكان هذا دليلا على أنّ هنا قسما وحلفا مثبتا، وأنّ الكلام إثبات قسم لا نفي قسم.
ولقد كانت الصورة الظاهرة صورة نفي القسم مجالا فسيحا للعلماء، أجهدوا فيه قرأئحهم، وأبدوا آراءهم في بيان المراد، والجمع بينه وبين قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)} فذهب بعضهم إلى أنّ (لا) زائدة، مثلها في قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ} [الحديد: 29] معناه ليعلم، والمعنى هنا: فأقسم بمواقع النجوم، والقول بالزيادة يكاد لا يرتضيه أحد.
وذهب بعضهم إلى أن (لا) هي لام القسم بعينها، أشبعت فتحتها، فتولدت منها الألف، نظير الألف في قول الشاعر:
أعوذ باللّه من العقراب

حيث أشبعت فتحة الراء، فتولّدت منه الألف، وحينئذ تتحد القراءتان، قراءة مدّ اللام وعدم مدها في المعنى، ويكون المد مدّ إشباع، ويكفي في ضعف هذا القول اعتراف قائليه بقلّة هذا التوليد في لغة العرب. على أنّ هذا يوقعنا في شيء آخر، لا يقرّه النحويون، وهو خلوّ فعل القسم إذا كان مستقبلا من النون، فإنّ النحاة يقولون: إذا وقع الفعل مستقبلا مقرونا باللام في حيّز القسم وجب اتصال الفعل بنون التوكيد، وحذفها ضعيف جدا، حتى لقد اضطروا إلى تخريج القراءة الأخرى لاقسم على أنّ اللام للابتداء، وليست للقسم، وقالوا: إنّها داخلة على مبتدأ محذوف، والمعنى: فلأنا أقسم، وإن كان هذا التخريج لا يخلو من شيء.
وقيل: بل النفي على حاله، و(لا) نفي لمحذوف، هو ما كان يقوله الكفار في ذم القرآن، من أنّه سحر وشعر وكهانة. ثم استؤنف الكلام بعد ذلك، ويكون حاصل المعنى: فلا صحة لما يقولون، أقسم بمواقع النجوم إلخ وفوق أن الحذف لا دليل عليه، فهو لا يتفق مع ما يقول النحاة من أنّ اسم لا وخبرها لا يصحّ حذفهما، إلا إذا كانا في جواب سؤال، كما تقول: هل من رجل في الدار؟ فنقول: لا.
على أنّ علماء المعاني يقولون في مثل هذا الموضع: إنّ العطف بالواو متعيّن، كما يقال: هل شفي فلان من مرضه فيقال: لا، وأطال اللّه بقاءك.
ويرى الفخر الرازي أن كلمة (لا) هي نافية على معناها، غير أن في الكلام مجازا تركيبيا، وتقديره أن نقول: (لا) في النفي هنا مثلها في قول القائل: لا تسألني عما جرى عليّ، يشير إلى أن ما جرى عليه أعظم من أن يشرح فلا ينبغي أن يسأله، فإن غرضه من السؤال لا يحصل، ولا يكون غرضه من ذلك النهي إلّا بيان عظمة الواقعة، ويصير كأنه قال: جرى عليّ أمر عظيم، ويدل عليه أن السامع يقول له: ماذا جرى عليك، ولو فهم من حقيقة كلامه النهي عن السؤال لما قال: ماذا جرى عليك، فيصحّ منه أن يقول: أخطأت حيث منعتك عن السؤال، ثم سألتني وكيف لا، وكثيرا ما يقول ذلك القائل الذي قال: لا تسألني عند سكوت صاحبه عن السؤال، أو لا تسألني، وتقول: ماذا جرى عليك؟ ولا يكون للسامع أن يقول: إنك منعتني عن السؤال: كل ذلك تقرّر في أفهامهم: أنّ المراد تعظيم الواقعة لا النهي.
إذا علم هذا فنقول في القسم: مثل هذا موجود من أحد وجهين:
إما أن لكون الواقعة في غاية الظهور، فيقول: لا أقسم بأنه على هذا الأمر، لأنه أظهر من أن يشهر، وأكثر من أن ينكر، فيقول: لا أقسم، ولا يريد به القسم ونفيه، وإنما يريد الإعلام بأن الواقعة ظاهرة، وإما لكون المقسم به فوق ما يقسم به، والمقسم صار يصدق نفسه فيقول: لا أقسم يمينا بل ألف يمين، ولا أقسم برأس الأمير برأس السلطان، ويقول: لا أقسم بكذا، مريدا لكونه في غاية الجزم.